بعض الأسئلة حول قوله تعالى : {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة}2

البريد الإلكتروني طباعة
بعض الأسئلة حول قوله تعالى : {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة} 
السؤال : هناك بعض الأسئلة حول قوله تعالى : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } {الأحزاب/72}.
1- ما المقصود بالأمانة؟
2- عندما نعرض أمراً على الغير ونطلب منه القيام بالدور المطلوب لابدّ أن يتوفّر فيه شرطان أساسيان : القابلية الذاتية لتحمل الدور ، والأهلية اللازمة لايفاء التعهد .
فاذا افترضنا إنّ إباء السماوات والأرض عن تحمّل الأمانة كانت بسبب عدم وجود القابلية الذاتية : أيّ عدم وجود الملكة ، فيلزم منه أن يكون أصل العرض عليها غير صحيح .
واذا افترضنا كانت فيها القابلية ، ولكن مع ذلك أبين عن تحمّل الأمانة كما يستفاد من ظهور { أَبَيْنَ} و{ أَشْفَقْنَ} .
فينقدح هذا السؤال هل يحقّ أساساً لهذا الموجود المخلوق أن يأبى عن تحمّل ما عرض عليه خالقه؟
3- تحمّل هذه الأمانة من قبل الإنسان : إمّا كان باختياره أو بغير اختياره.
فان كان باختياره ، فأيضاً عرض هذه الأمانة على من ليس الأهلية بالوفاء قبيح . وهذا من قبيل إعطاء زمام أمور بلد إلى فرد لا أهلية له للقيام بهذا الدور.
وإن لم يكن باختياره بل كان تحميلاً عليه ، فهذا :
أوّلاً : لا يناسب قوله : { عَرَضْنَا } حيث يستفاد منه كون تحمّل الأمانة اختيارياً.
وثانياً : لا مقتضي للتعبير: { إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } ؛ لأنّه نظراً لفقدان الأهلية بالوفاء فيه كانت هذه النتيجة متصورة في حقّه من بادئ الأمر.

الجواب  : من سماحة السيّد جعفر علم الهدى
ج1- قيل : إنّ المراد : { الْأَمَانَةَ }بالأمانة التكّليف ، والمراد بعرضها على السماوات والأرض هو ملاحظة استعدادهنّ للتكليف ، والمراد بإبائهنّ هو الإباء الطبيعي وعدم الاستعداد واللياقة ، والمراد بحمل الإنسان هو قابليته واستعداده للتكّليف ، والمراد بكونه : { ظَلُومًا جَهُولًا } غلبة القوة الشهوية والغضبية عليه وهو وصف بلحاظ الأغلب .
ويؤيد هذا المعنى : ما ورد أنّ عليّاً (عليه السّلام) إذا حضر وقت الصلاة كان يتململ ويتزلزل ، ويتغّير لونه.
فيقال له مالك : يا أمير المؤمنين ؟
فيقول : { جاء وقت الصلاة ، وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملها وأشفقن منها }.
وفي تفسير القمّي : « الأمانة هي الإمامة والأمر والنهي » .
وفي عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) ، ومعاني الأخبار للصدوق (قدسّ سرّه) عن الإمام الرضا (عليه السّلام) في هذه الآية قال : « الأمانة الولاية من أدعاها بغير حقّ فقد كفر » .
وفي الكافي عن الصادق (عليه السّلام) : « هي ولاية أمير المؤمنين (عليه السّلام)».
وفي البصائر عن الباقر(عليه السّلام) : « هي الولاية أبين أن يحملنها كفراً بها وعناداً ، وحملها الإنسان ، والإنسان الذي حملها أبو فلان ».
يعني إنّ الولاية عرضت على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها كذباً وزوراً بأن يدعين الولاية ، ولا يؤمن بها باطناً ، ولكن أبو فلان حملها ظاهراً ، وكفّر بها باطناً .
ج2-  ظهر جوابه : وهو أنّ المراد من عرضها (الأمانة والتكاليف والولاية) على السماوات والأرض النظر إلى قابليتها ولياقتها بحسب استعدادها الوجودي ، والمراد من الإباء الإباء الطبيعي ، أيّ تبين عدم لياقتها ، أو أنّ الأمانة هي الولاية وعرضت على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها على وجه الكفر والجحود والنفاق ، ولاينافي إنهنّ حملن الولاية على نحو التسليم والانقياد .
أمّا الانسان - والمراد به أبو فلان وأتباعه - فحملها على نحو النفاق والكفر لجهله وعناده وتكبّره .
ج3- العرض : كان لأجل اللياقة والاستعداد كما أنّ التحمّل اختيارياً ، لكن أغلب الناس لم يقم بوظيفته تجاه تلك الأمانة ، ولذا صار جهولاً ظلوماً .
قال في تفسير الصافي : « إنّ المراد بالأمانة التكليف بالعبودية لله على وجهها ، والتقرب بها إلى الله سبحانه كما ينبغي لكلّ عبد بحسب استعداده لها ، وأعظمها الخلافة الإلهية لأهلها ، ثمّ تسليم مَن لم يكن من أهلها لأهلها ، وعدم ادعاء منزلتها لنفسه ، ثمّ سائر التكاليف .
ثمّ المراد بعرضها على السماوات والأرض والجبال : النظر إلى استعدادهنّ لذلك.
وبإبائهن : الإباء الطبيعي الذي هو عبارة عن عدم اللياقة لها ، وبحمل الإنسان  إياها تحمّله لها من غير استحقاق تكبّراً على أهلها ، ومع تقصيره بحسب وسعه في أدائها .
وبكونه ظلوماً جهولاً :
ما غلب عليه من القوّة الغضبية والشهوية ، وهو وصف للجنس باعتبار الأغلب .
فهذه الحقائق معان كلّية - وكلّ ما ورد في تأويلها في مقام التخصيص يرجع  إلى هذه الحقائق ...
» .
 

أضف تعليق

القرآن الكريم وتفسيره

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية